» مقالات » البحرين… تجويع الكتاب مستمر
مقالات

البحرين… تجويع الكتاب مستمر

12 أغسطس، 2025 10177

 

 

 

منذ ست سنوات، والبحرين تعيش صياماً قاسيًا عن موسمها الأجمل… تلك الأيام التي كانت تُضاء فيها القاعات بأنفاس القرّاء، ويلتقي فيها أصدقاء الكتب، وتُمدّ موائد الحروف أمام عيونٍ جائعة للمعرفة. منذ 2018، لا شيء غير صمت بارد، وعزلة كئيبة.  

أكثر من ست سنوات، والبحرين بلا معرض دولي للكتاب، وكأن الثقافة أُحيلت إلى التقاعد، وكأن القارئ البحريني لا يستحق موسمه السنوي الذي ينتظره بشغف. سنوات من التأجيل المتكرر، حتى صار المعرض حدثاً غامضاً لا أحد يعرف إن كان سيعود أو متى سيعود.

في الوقت الذي تحشد فيه كل الدول الشقيقة، ودول الخليج تحديدا، جهودا سنوية لإنجاح معارضها، تفرّغ الكوادر، تضخّ الميزانيات، تستقطب دور النشر، تستضيف الكتّاب، وتحول المعرض إلى كرنفال ثقافي وسياحي يضخ الحياة في مدنها، نحن في البحرين نكتفي بالصمت، وكأن الأمر لا يعنينا، وكأننا خارج التغطية، خارج الزمن.

الأمر لم يعد مجرّد غياب فعالية، بل هو تجويع ثقافي، وحرمان للمشهد المحلي من التفاعل الحي مع النشر العربي والعالمي. نحن أمام حالة، سأسميها تلطيفًا، إهمال ثقافي لا يليق بتاريخ البحرين ومكانتها. البحرين التي كانت قبل سنوات مقصدا ثقافيا للأشقاء من كل دول الخليج، بما تقدّمه من حراك وحيوية، صارت اليوم تراوح مكانها، خاوية من أي حدث ثقافي يحمل اسمها، فيما يشبه الموت السريري، كأنها مدينة تُبقي عينيها مفتوحتين بلا حياة، تراقب الآخرين وهم يسبقونها في ماراثون الزمن.

كل عام، نسمع في الجوار أصوات الفرح: الشارقة تستضيف آلاف الناشرين من كل أصقاع الأرض، الرياض تفتح أبوابها لملايين الزوار، الكويت تواصل إقامة معرضها العريق الذي يجمع القارئ والكاتب في موسم حيّ نابض، مسقط تستقبل دور النشر وتحوّل المعرض إلى ملتقى للثقافات، بغداد، المثقلة بجراحها، تقيم معرضها وتدعونا إليه، الدوحة تحشد مئات الدور، وبيروت، رغم الخراب والضيق، ما زالت تصر على أن للكتاب موعدًا مع الحياة. أما نحن؟ نكتفي بالمشاهدة كمن يقف على رصيف المحطة، يلوّح للقاطرات وهي تمضي، ويبتلع ريقه. 

في مارس 2020، وبعد غياب عامين، كان موعد الدورة التاسعة عشرة في 25 مارس… لكن الخبر البارد جاء: تأجيل إلى أجل غير مسمّى، أجلٌ امتد حتى اليوم. تكرر المشهد في سبتمبر 2023 بتأجيل جديد لمعرض فبراير 2024، للمرة الثالثة، بلا تبرير. وفي أبريل 2025، حين أُعلن فجأة عن إقامة المعرض بين 23 أكتوبر و1 نوفمبر، أطلّ الفرح المرهق… لكنه تبخر سريعًا، وعاد الصمت يحتقرُ الموقف.

ست سنوات من الغياب جعلت القارئ البحريني يشعر أنه غريب في بيته، بعيد عن نبض الآخرين، وأن الكتب التي كانت تأتي إليه من العالم، تمرّ الآن من جانبه إلى كل مكان آخر، إلاّ هو.

السؤال الآن ليس ترفًا، بل حقاً مشروعاً: لماذا توقف المعرض منذ 2018؟ وحتى متى؟ ولماذا كل هذا الإصرار على إبقاء البحرين خارج مواسم الكتاب، خارج حركة الزمن، خارج ما ينبض، وداخل ما يموت!

 

الكاريكاتير: الفنان خالد الهاشمي

قيم المنشور!

باسمة القصاب

باسمة القصاب

نصف جناح ونصف جسد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  • ×
    تسجيل الدخول / العضوية