مشاهير المال.. فلتأكلوا البسكويت
كتبتُ على صفحتي في منصّة X: “لا أتابع أحداً منهم، لكن مع ذلك بدأتُ حملة حظر حسابات مشاهير عرب من فنانين ومغنين وممثلين ومشهوري السوشيال ميديا، يحظون بملايين المتابعين، ويحصدون من وراء متابعيهم ثروات ضخمة، ويسمّون مؤثرين، لكن تأثّراً لم يعرف طريقاً إلى قلوبهم التي أعمتها المادة، ولم تحرك الإبادة الوحشية في غزة مشاعرهم منذ سبعة أشهر، ولو بتسجيل وقفة على حساباتهم الضاجة بصخب الترف والاستعراض، والصاخّة عن صخب الجوع والموت والدمار في غزة. آثروا الصمت كي لا يخسروا مصدر إعلان لعلامة تجارية داعمة لاسرائيل، أو يفوتهم شيء من (خيرات) بذخ الحفلات ومهرجانات الترفيه”.
********
بينما يقف العالم مشدوهاً أمام المشاهد المفجعة والمروّعة لمجزرة رفح قبل يومين، وفيما الكيان الغاصب يلقي بدم بارد (ثمانية) صواريخ مدمّرة على خيم النازحين، والأشلاء الممزقة والمحروقة تنتشل من بين الركام، نشرت شركة بيبسي إعلانها الجديد، لنفاجأ بـ(ثمانية) من مشاهير العرب مشاركين في هذا الإعلان بدلاً من إعلان مقاطعتهم لها لدعمها للكيان الغاصب، وكأن كل واحد من هؤلاء الثمانية، هو صاروخ من الصواريخ الثمانية التي ألقيت على خيم النازحين. لكنه المال سيداً فوق المبادئ والإنسانية.
******
قد تكون أحداث غزة هي التي فجّرت الموقف ضد بعض المشاهير، بعد عبارة “فليأكلوا البسكويت”، التي نطقتها بغطرسة، عارضة الأزياء والتيكتوكر (هايلي كاليل) في حفل الأزياء الباذخ «ميت غالا» (met gala)، فيما هي ترتدي فستاناً من الورود مستوحى من صور الملكة انطوانيت صاحبة المقولة الشهيرة. كان ذلك بمثابة صفعة لفتت الأنظار إلى المشاهير المنفصلين عن واقع الناس وآلامهم وأوجاعهم وما يدور حولهم في العالم من مآسي وحروب، رغم أنهم صنيعة الناس الذين يمنحونهم عدداً خيالياً من المتابعات والمشاهدات، وبسببهم يحصدون ثروات طائلة.
لكن الحقيقة، إن عبارة (فليأكلوا البسكويت)، طالما مثلت تعاطي الكثير من المشاهير مع الناس قبل وبعد أحداث غزة. استعراض البذخ والتباهي بالمقتنيات الثمينة عند مشاهير السوشيال ميديا مثلاً، والمبالغة في إظهار علامات الثراء (المستحدث غالباً)، وأشكال الرفاهية في حياتهم اليومية بطريقة فجّة وخالية من الشعور بالآخرين، وكأنهم عبر استعراضهم الأناني والمتعالي، يقولون لجماهيرهم ومتابعيهم الكادحين من أجل لقمة العيش: نحن هنا متنعمون بالشهرة والثروات التي جنيناها من متابعتكم لنا، أما أنتم فيكفي أن تشاهدونا ونحن نتنعّم بها، ومن لم يجد خبزاً مثلنا فليأكل البسكويت.
دعت حملة #blockout2024 لحظر المشاهير الذين لم يعلنوا تضامنهم مع فلسطين بموقف أو كلمة للتأثير على موثوقيتهم وحظوظهم الإعلانية، ذلك أن المال هو المبدأ الذي يفهمه هؤلاء، وهو ما يحرّك مشاعرهم، لا المبادئ الإنسانية والأخلاقية.
عندما نقول مبدأ المال، تقفز إلى الأذهان مباشرة كلمة أليسا: (دي رزقتنا وأكل عيشنا)، التي قالتها وهي تقف على مسرح حفلها في ألمانيا خلال الأسابيع الأولى من حرب غزة، والعالم لما يستوعب بعد ما يشهده من وحشية القتل، ما جعل المذيعة المصرية ريهام سعيد تعلّق مستنكرة: “4000 طفل في أسبوع يستاهلوا نتنازل عن الرقص والغناء أسبوع، حتى لو كان أكل عيشنا”.
لم تتوقف الحفلات الغنائية والمهرجانات الترفيهية في الخليج طيلة أشهر الحرب، بل يمكن القول أنها تكاثرت بشكل ملفت خلال الأشهر الأخيرة، حرص أكثر مطربي ومطربات العالم العربي على عدم تفويت (رزق) أي منها، دون أن ينبس أحد خلالها بكلمة تناصِر غزة أو تستنكر ما يحدث فيها، أو يتجرأ أحدٌ برفع علماً لفلسطين فوق أحد هذه المسارح، خشية قطع إمداد (نفط) هذه المهرجانات و(رزقها) الوفير، فصاحب المال سلطان.
ولعل الحرب التي تعرض لها محمد عادل إمام تفسّر ذلك، عندما ختم كلمته نيابة عن تكريم والده في مهرجان JOY AWARDS بالرياض بقوله: “تحياتي للشعب الفلسطيني البطل. أنتو في القلب وعمرِنا ما هننساكم أبدًا”. لتشن منصات التواصل عليه حرباً شرسة تتهمه بالمزايدة، وتصفه بالغريب غير الأديب، فيما اعتُبر إحراجاً للرياض المتصدرة لائحة أكثر المهرجانات الفنية وأضخمها في الخليج مؤخراً، والبعيدة كل البعد عما يدور في غزة.
وعلى مبدأ المال نفسه، فإن الكثير من الأسماء البراقة من مشاهير السوشيال ميديا والفاشينستات، وجدن أنفسهن في موقف صعب، بعد أن صرن وجوها إعلانية لعدد من الماركات والعلامات التجارية العالمية، التي تمت مقاطعتها بعد أحداث غزة بسبب دعمها لإسرائيل، خاصة أن أغلب الفاشينستات يتنافسن على اقتناء أغلى الماركات العالمية والتباهي باستعراضها من أعلى رأسهن حتى أخمص القدمين، حتى أُخذ عليهن، إرساء ثقافة استهلاكية توحي أن قيمة كل أحد ترتبط بشكل أو آخر بما يرتدي من ماركات عالمية، تأثر بها الكثير.
العلامات التجارية الكبرى التي ظهر اليوم أن معظمها مملوك لصهاينة أو داعمين لإسرائيل، عملت منذ سنوات على جذب المؤثرين والمؤثرات واغراقهم بعقود إعلانية ضخمة نقلتهم إلى مستوى ثراء فاحش في بعض الأحيان، ما جعل صوت المؤثرين يتأثر بمصادر ثرواتهم تلك، وترتهن مواقفهم بشكل كبير إلى جهة عقودهم وإعلاناتهم. فحيثما مال المال، يميل المبدأ.
المذيعة المصرية و(المؤثرة) هند فاروق (يتابعها أكثر من 1.2 مليون)، كانت الأكثر صراحة عندما قالت:”محدش يقولي مقاطعة أو مش مقاطعة، أنا ماضية عقود فيها شروط جزائية، في عقود مضيتها بعد أحداث غزة، وفيه عقود قبلها، أي حد يتفلسف عليا يغور”. وكانت هند واحدة من الذين اعتصموا عند معبر رفح لوصول المساعدات بداية الحرب.
إنه مبدأ المال الذي (يغور) أمامه كل شيء، لهذا قد لا يبدو غريباً ما نشهده من تكالب بعض المشاهير والمؤثرين، على صرعات السوشيال ميديا وهبّات الترند (الهندية والمصرية وغيرها) لزيادة عدد المتابعين وفرص الإعلانات، في الوقت الذي يُصرع فيه شعب كامل على مرأى ومسمع العالم كل يوم دون موقف يذكر.
فهل آن الأوان ليقول الناس لمشاهير المال الأنانيين: فلتأكلوا انتم البسكويت؟