» مقالات » أرشيفي الناقص..
مقالات

أرشيفي الناقص..

3 مايو، 2008 00:11 3047

 

 

سألتني زميلتي (الإسلاموية): هل وجدت ثمة ما يُلفت في معرض الكتاب؟

قلت لها: لن أفيدكِ برأيي في شيء يا عزيزتي، فما أقصده أنا في معرض الكتاب يختلف عما تقصدينه أنت، أنت تقصدين دور نشر إسلامية شيعية على نحو دار الهادي والأعلمي والمحجة البيضاء والكلمة الطيبة والولاية وأهل البيت، وأنا أقصد دور نشر فكرية ثقافية على نحو دار الساقي والجمل والمنظمة العربية للترجمة والمؤسسة العربية للدراسات والنشر، وهما وجهتان مختلفتان تماماً. دور النشر الأولى تزرع اليقين وتثبّته، أما الثانية فتصدم اليقين وتهدِّده، فهل تراني أفيدك؟

صرخَت: لا لا.. اتركيني في يقيني، ولن أسالك عن رأيك المهدِّد مرة أخرى. ضحكنا معاً.

قبل الألفية الجديدة، لم أكن أعرف غير دور النشر الأولى، منها أستمد كل قراءاتي، وبها أصيغ يقيناتي ومفاهيمي ونظرتي إلى الحياة

والله والآخر، أما الأخرى فلم أقاربها، بل لم تكن موجودة في خارطتي الذهنية. عندما أصادفها في معرض الكتاب أرى إليها بتعالٍ وانتقاص، أنها كتب مترفة ذات عناوين معقدة وفارغة، لا تقدم ما يبصّر الإنسان بهدف دنياه وآخرته، أي قيمة يمكن أن تكون لمثل هذه الكتب. الآن، لا أجدني إلا هناك، حيث الإنسان يختبر وجوده الخاص ومفاهيمه الخاصة ورؤيته الخاصة وتجربته الخاصة، بل وجنته وناره الخاصتين.

مؤخراً أيضاً، قررت أن أقوم بجرد مكتبتي الخاصة. أخليتها تماماً تقريباً من الكتب الإسلاموية، تلك التي شكلت منطقة تديني نهاية الثمانينات وخلال التسعينات، قبل أن أغادر إلى منطقتي الأخرى الآن. هذه الكتب قرأتها بشغف ولهفة الجيل الذي عاصر تدفقها إذ ذاك: “الأربعون حديثاً”،”الآداب المعنوية للصلاة” ،”جهاد النفس” ،”أسرار الصلاة” ، وغيرها الكثير للإمام الخميني الذي بهرنا حينها بعرفانيته بقدر ما حيّرنا بسياسته. “القلب السليم”، “الذنوب الكبيرة” ،”جنة الخلد”، “الاستعاذة”،”القصص العجيبة” ،”التأمل” لـ(عبد الحسين دستغيب) الذي أخذنا حينها في ذنوبنا الكبيرة وقلبه السليم، وكتب أخرى كثيرة للمطهري ومحمد جواد مغنية وجعفر السبحاني والكوراني وحسن أبطحي وأسماء ليس يسعها المقال هنا. تبرعت بهذه الكتب كلها لمن رغب بها من الزملاء والزميلات الذين لا يزالون يبحثون عن طاعة وتسليم وامتثال ويقين يقيهم شر النار ويدخلهم الجنة. أعلنت أن لم تعد لي حاجة فيها. أبقيت لنفسي فقط القليل جداً مما له رائحة ذاكرة حميمية عندي، فقد أعود يوماً لأسترجع الذاكرة، لا النص.

استنكرت إحدى الزميلات: يعني صارت هذه الكتب (كُخّة) بالنسبة لك الآن؟

قلت: ليس هكذا، هذه كتب قرأتها بكلّي في مرحلة من مراحل حياتي، ولست أتنكر لها، بل هضمت عصارتها بشغف حينها، لكن عصيرها الآن، ما عاد يغوي ذائقتي التي تجاوزَتها، فتلك لا تزال تتحرك بين جنة ونار متعاليتين أزليتين جامدتين معدتين سلفاً، في حين، راحت ذائقتي تعيد رسم جنتها ونارها بوعي تصنعه ذاتي لحظة بلحظة، وشرابها حب هامل..

قيم المنشور!

نتیجة 3.50
باسمة القصاب

باسمة القصاب

نصف جناح ونصف جسد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  • ×
    تسجيل الدخول / العضوية