عندما صمت عبدالله الحكواتي
خارج أسوار المسارح الكلاسيكية وأستارها، وفي بيت تراثي قديم وسط العاصمة المنامة؛ بيت “القصير” في فريق الفاضل العابر للثقافات، اختار الفنان الشاب حسين عبد علي أن يقدّم عمله المسرحي الأول إعداداً وإخراجاً “عندما صمت عبدالله الحكواتي”.
حوش كبير يتوسط بيت من طابقين، الطابق الثاني مفتوح على الأول، يطل من خلال شرفة داخلية كبيرة تحيط به من جهاته الأربع، وسقف مفتوح على احتمال مباغتة المطر. أقواس تراثية قديمة تحيط بالحوش من كل الجهات، تتدلى منها أفنار إضاءة صغيرة، الأقواس تفصل بين الحوش وبين غرفات يفيض منها عبق الخشب وشبابيك ذات زجاج ملون. لا شيء مصطنع في هذا المكان الذي احتضن العرض لمدة ساعة ونصف، ولا شيء متكلّف في هذا البيت التاريخي الذي بقى محتفظاً بروحه المفتوحة على كل شيء، ولا تزال تسكنه عائلة بحرينية أحسسنا ببعض حركتها أثناء العرض، كان اختيار هذا المكان لوحده إضافة ثرية لجوهر هذا العمل.
مسرح خشبي بسيط تربّع على مساحة حوش البيت. وسط المسرح 3 صناديق مجوفة ومربعة الشكل، محفورة بأشكال هندسية جميلة، وضعت فوق بعضها البعض بشكل عبثي. ستعلب هذه الصناديق معنا طوال فترة عرض المسرحية وستأخذ لها كل حين شكل ومكان ومعنى مختلف. صفان من الكراسي الحمراء، تجلس تحت الأقواس مباشرة، تحيط بالمسرح من كل الجهات، ونجلس نحن فوقها، قريباً من كل شيء يتحرّك.
ليس هناك ما هو خلف الكواليس، على الأقل هذا ما شعرت به، ستدخل لترى الفنانين يجلسون معك على الكراسي ذاتها، يتحركون، يرحبون بمن يدخل، ولن تلبث حين يبدأ عرض المسرحية أن تكتشف أنك تجلس معهم في ذات المسرح، فالبيت كلّه سيتحول إلى مسرح كبير، فوق، تحت، حتى باقي الغرفات..
عبد الله السعداوي؛ الحكواتي، يفتتح المسرحية بحضور أبيض، وحكي لا يستل العفوية، بل يريقها إلى حسّك مباشرة، سيجلس متوسطاً المسرح، تحيط به ثلّة شباب يتقدون بالحركة والإبهار، وسينتقل بك السرد سريعاً وخفيفاً، وبكثير من الحركة التي تأخذك إلى صورة لا تراها كاملة، لكنك تعيشها تماماً، سيصمت عبدالله الحكواتي سريعاً أيضاً، لكن الحكي لن ينتهي، سيصير الكل حكواتياً يروي قصته، وستتكاثر الحكايا..
سننتقل بين حكايا يسردها بأداء خصب ومشدود، كل من باسل حسين، ومحمد الصفار، ومحمود الصفار، ومحمد المرزوق، وبالطبع المدهش حسين عبد علي. سيشدّك الانسجام الهارموني المتناغم بين الفريق، وسيأخذك كل من السرد والأداء في دهشة حركته وتعبيراته، وسيحاصر عينك عن أن تطرف خارجه، كما ستشارك البطولة أيضاً، بضع قطع قماشات صغيرة، ستقول لنا حكي كثير في حكم الخيانة والعار وغباء الاستبداد والتفاؤل والحياة والموت.
ساعة ونصف ستنتهي وأنت لا تزال في حضورك الكامل، قبل أن يحضر الجميع أمامك وسط المسرح عند نهاية العرض، ولتصفق بحماس لعمل يستحق الاحتفاء. استمتعت كثيراً بحضور العرض الأول في 20 ديسمبر، لا يزال العرض مستمراً حتي 25 ديسمبر لمن يرغب في حضور عمل مميز لطاقات بحرينية جميلة، شكراً حسين عبد علي، شكراً للحكواتية جميعهم..