خارج بيت السلطة
باسمة القصاب
يدعو أوباما في كتابه “جرأة الأمل”، من يريد أن يفهم الديمقراطية، أن يراها “كحوارٍ يجب إجراؤه، لا كبيت يجب بناؤه”.
ما الفرق بين ديمقراطية البيت الذي يجب بناؤه، وديمقراطية الحوار الذي يجب إجراؤه؟
ديمقراطية البيت تُعطي معنى البناء الثابت (المستقر) غير القابل للتغيير. البيت المصمّم وفق مقاسات معديه ووفق مرئياتهم الخاصة. البيت يفرض على من يجيء تالياً أن يتكيف مع مقاسه المُسبق وتصميمه الذي لم يشارك في اختياره. عليك أن تكون خاضعاً لحدود هذا البيت وإلا لا مكان لك في غرفه وفي ساحته الخاصة، وإذا فرضت المستجدات من حولك إحداث تغيير ما، فإنك لا تغير أكثر من أثاثه أو بعض ديكوراته، ويبقى البناء هو ذات البناء. الهدم قرارٌ صعب ومكلّف وثقيل، وإعادة البناء غالباً ما تتطلب معارك وتضحيات وأثمان باهظة.
ديمقراطية الحوار الذي يجب إجراؤه، تفتحك على الممكن (الحوار) لا على الحاصل (البيت). هي مختلفة، من حيث أنها عملية استمرارية غير مرهونة ببناء مستقر يجب عليك أن تتوارثه جيلاً بعد جيل، وتبقيه كما هو إلا مع تعديلات طفيفة هنا أو هناك. البناء يتوقف بعد الانتهاء من انجاز خريطة البناء، بينما الحوار عملية جارية ومستمرة وغير منتهية. الحوار قابل للتغيير والنقض والتبديل ويمتلك القدرة على التلاؤم والتكيف مع المستجدات والمتغيرات وما يطرأ من أحداث. لذلك يمكننا أن نرى إلى الحوار على أنه تراكم والبناء على أنه وقف. ففي حين أن التراكم لا ينتهي ولا يقف عند سقف معين، فإن البناء له طاقة استيعابية محدودة يقف عندها.
في ديمقراطية الحوار ليس مفروضاً عليك أن تسكن بيتاً قديماً آيلاً للسقوط وغير قابل للترميم. البيت الذي تم تشكيله قبل قرون وفق مقاس القبيلة، هو بيت لا يستوعب مقاس الدولة الحديثة ولا يجيد التعامل مع مؤسساتها إلا من خلال قوانين القبيلة لا قوانين الدولة. ستبقى الدولة في هذا البيت غير منجزة حسب أستاذ علم الاجتماع عبد الهادي خلف. وسيبقى نظام القبيلة معطِّلاً دائماً لأي تغيير يتطلب الهدم. وسيكتفي في حال باغتته المستجدات وفرضت نفسها عليه، أن يغيّر قطع أثاث هنا وهناك، وأن يبتكر ديكورات حديثة هنا وهناك.
لا يمكن لديمقراطية أن تنجز إصلاحا حقيقياً داخل بيت أهلكه الاستبداد والفساد والسرقات. بيت ضلُع في مخططات ومؤامرات تستهدف شعبه. بيت أعمدته من تأزيم. الديمقراطية بحاجة إلى حوار يُجريه ميدان الشعب، لا بيتٌ تُجريه السلطة. حوارٌ قادر على مسائلة هذا البيت ومحاسبته وقلع رموز فساده. فخارج هذا البيت تنتظرنا العديد من القضايا والملفات العالقة والمتعلِّقة، بحاجة أن نوجِد لها حلاً. حلّها في الميدان العام الذي لا يوجد فيه بيت يملكه أحد من الناس، بل كل الناس.