» كتب » ولد الدفعة والأحلام المسروقة
كتب

ولد الدفعة والأحلام المسروقة

12 فبراير، 2024 2084

 

 

 

يعقوب (ولد الدفعة): ماذا يأخذ السحرة من الأطفال؟

شعبان الأعمى: يأخذون أحلامهم

يعقوب: أحلامهم؟

شعبان: يضع الواحد منهم يده على رؤوس الأطفال ويسحب جميع أحلامهم، فإذا ناموا بعدها لم يحلموا أبداً..

شعبان: قد يسرقون منهم عيونهم أيضاً.. حين يأخذون أحلامك، فلن ترى بعينيك إلا يومك. لن تستطيع أن ترى غدك أبداً، هكذا يأخذون منك العين..

السحَرَة الذين يسرقون الأحلام من الأطفال، تلك الكذبة التي اختلقها أهالي قرية روزكان لمنع أطفالهم من الاحتكاك بآل إدريس بسبب عداوة قديمة، لم تكن كذبة تماماً، بل هي حقيقة هذه الرواية، لكن ليس السحرة هم آل إدريس، بل أولئك الذين سرقوا أحلام الناس بالبطش وقوّة السلاح، في روزكان وغيرها من قرى البحرين.  

السحرة الذين يسرقون أحلام الناس هم الإقطاعيين الذين يسرقون أراضي الناس، ثم يجعلون منهم عبيداً في أراضيهم: “يغتصبون منا الأرض، ويستخدموننا عمّالاً لديهم فيها”. هم المتنفذين الذين يسرقون تعب الصيادين وكدحهم، يفرضون عليهم أخذ نسبة من مدخول صيدهم اليومي دون وجه حقّ، هم الفداوية الذين يتلقفون لأنفسهم من صيد الحضرة أسمن السمك وأفضله دون مقابل. هم الغرباء الذين يهاجمون القرى من طرف سواحلها، يعيثون فيها سرقة ونهباً وتقتيلاً، حتى ملأ الخوف قرى الساحل ليلاً ونهاراً. هم اللصوص وقطاع الطرق الذين يسرقون بضائع الناس بعد تهديدهم بقوة السلاح، هم التجار والأثرياء، الطواويش الذين يسرقون تعب البحارة وجهدهم، يغرقونهم في بحر من الديون، ليبقوهم تحت رحمة استخدامهم واستغلالهم. 

كل هؤلاء بتسمياتهم المختلفة، يضعون أيديهم على رأسك ليسرقوا أحلامك، ويسرقوا عيونك، يغرقونك في قتامة يومك، فلا تعود ترى غيره بعدها، يضيع منك الأفق، فتبقى بلا حلم، بلا غد.

أسرّت بذلك رواية (ولد الدفعة) للكاتب البحريني عيسى مبارك، فيما هي تروي جانباً من الحياة الاجتماعية والسياسية للبحرينيين خلال الثلث الأول من القرن العشرين، وما تخللها من أحداث إبان حقبة الاستعمار البريطاني والتبشير الأمريكي في المنطقة. نفذ مبارك إلى ذلك عبر قرية (روزكان)، القرية المندثرة التي تقع على الساحل الشمالي للبحرين ويعمل أهلها في الزراعة والصيد، لامس جانباً من حياة الناس الاجتماعية، مخاوفهم، أحلامهم المسروقة، مروراً بأحداث تاريخية هامة خلال تلك الفترة، أعمل فيها مبارك بحثه وتنقيبه. 

روزكان اسم فارسي يعني (موضع النهار)، لكنها في الرواية قرية بلا نهار، كان نهارها هو (الدفعة)، السيب الضخم القوي الذي يقوم بإنزال غواصَين اثنين معاً في وقت واحد لقاع البحر، ويخرج غواص بكل يدّ معاً، لهذا أطلق عليه اسم الدفعة، وصارت سمعته رمز القرية ونهارها الذي يحميها من السراق ويمنحها الأمان والحماية.  

آلت القرية كلّها إلى ظلام، عندما فقدت رجلها (الدفعة)، بعد أن قذفت به عاصفة مباغتة إلى البحر ولم يعثر عليه، فيما تجرّع لوحده مهمّة إنزال شراع السفينة وسط العاصفة. لم يعد للقرية موضع نهار منذ ذلك الحين، وظلت مستسلمة لقدر سرّاقها دون أفق، خالية إلاّ من أمل عودة فارسها الذي سوف يسترجع لها ما سرق منها.  

على عكس الدفعة الذي أوتي بسطة في الجسم وقوّة، كان ولده يعقوب الضئيل بالجسد دون أقرانه، لهذا ظل محاطاً بهالة جسد أبيه، الهالة التي عاش داخلها طوال سنوات غياب أبيه، وهو ما صورته لنا بجمالية لونية وبصرية لوحة الغلاف للفنان البحريني كمال العبدالله. 

لكن ولد الدفعة أوتي مقابل بسطة الجسد، بسطة في العقل ورجاحة في التفكير، ما جعل قريته تلتفت نحوه على نحو آخر.

يواجه ولد الدفعة حيرة تساؤلاته وهو يرى قريته تتناوشها أيدي القوّة، كيف يمكنك أن تحمي نفسك ممن يسرقون أحلامك؟ لا بد لك من قوّة، لكن أي قوّة؟ هل هي قوّة الجسد؟ السلاح؟ المال؟ سلامة الإيمان؟ الصبر؟ الحيلة والفتك؟ تلك المقترحات التي تمثلتها له نماذج الشخصيات حوله، أم أن تجعل لك رمزاً يمنحك القوّة والحماية كما فعل الانجليز برفع تمثالين لأسدين على مبنى رسمي لإخافة الناس؟ كذلك كان أبوه رمزاً للقوة، وكانت سمعته هي رمزاً يمنح القرية الحماية والأمن،  فـ”السُمعة كالرمز”، كان ذلك قبل أن يغيب عن القرية، وعندما غاب الرمز غاب الأمن، وعندما عاد بعد غياب 10 سنوات، عادت السمعة وانكفأ السراق، لكن الحكاية ذهبت باتجاه آخر.  

 

قيم المنشور!

باسمة القصاب

باسمة القصاب

نصف جناح ونصف جسد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  • ×
    تسجيل الدخول / العضوية