سماهوي
رواية « سماهوي» للكاتب والروائي البحريني حسين المحروس (إصدار 2016)
أيُ «سِماهوي» تلك يا محروس؟ لقد قرأتها مرتين، مرة وهي على وشك من كل شيء، ثم الآن وهي مذيلة بما تبقّى من توقيعك، وقد أعيد قراءتها مرة ثالثة ذات سلوم شمس، وفي كل قراءة يقع قلبي على خاصرتي، ويفيض بي البحر وأغرق، وأرى الوجوه الشفافة المتماهية مع الماء، والأسماء المتهادية فيه، وقناديل البحر.
«سِماهوي» تلك الأرض التي “لا موضع فيها يخلو من نخلة أو فسيل، للنخيل أسماء الذين هاجروا قسراً منها، وأسماء الفسيل مؤقتة لنية مهاجر”، إنها الموضع بين من هاجروا قسراً، ومن هم مستقرون على نية الهجرة. القرية التي لا تحارب، ولم تدخل في حرب قط، وأهلها الطيبون، المسالمون حدّ الفرح بالذنب، الذين لم يحملوا سيفاً، وكلّ ما لديهم هو سيف صدئ، “لا يقتل دجاجة، ملفوف في قماش أخضر، وله مقبض قلق من فضة، لا يخرج إلا في تشابيه لواقعة قديمة “.
لقد اختاروا أن يذهبوا بعيداً لعلّهم يعودوا سالمين “روح بعيد تعال سالم”، لكنهم لا يعودون، أو يعود ما بقي منهم بعد أن تضيع منهم الأسماء. الهجرة لا تنتهي في أرض كلّها شقٌ وجرح.
تفتح «سماهوي» شق الهجرة على جرح التنكيل. التنكيل الذي يقسرك على الهجرة، يجعلك تنفي نفسك بنفسك، تخرج عند سلوم الشمس خائفاً تترقب، تقطع بحراً لا يشرح صدرك، تودّع رائحة البحر العالقة فيك، النخلة المغروسة في تربة قلبك، تغادر صلابة جذرك، وخاصرة حلمك، ونعناع فرحك، وتجفف تين نفْسك. إنها الهجرة حيث لا طوبى للغرباء الذين يهاجرون منكلين، وطوبى للغرباء الذين يُستَبدلون مكانهم.
“لا تتحدث عن شيء لا تراه”.. «سِماهوي» تفتح فمّ المنفى على الكلام الذي لا يقال، على ما نراه، وتفرش الذاكرة على قدر غدر سلوم الشمس..